-->
بسم الله الرحمن الرحيم 

القسم الأول : الأحكام العامة المتعلقة بالجريمة .


 مقدمة : حول تعريف الجريمة .


من أهم ما شغل الفقه الجنائي محاولة تعريف الجريمة، وبقدر ما حاول الفقه ذلك، وبعدد الفقهاء تعددت التعريفات وتنوعت. لكن اتجاهين اثنين هما الغالبان على تلك التعريفات :
اتجاه اجتماعی پركز أصحابه على فكرة الجريمة كسلوك يضر بالمجتمع .
اتجاه يركز على اعتبار الجريمة فكرة قانونية مجردة . 

1- الاتجاه الاجتماعي في تعريف الجريمة :

ويركز هذا الاتجاه على الجوانب الاجتماعية للجريمة، باعتبارها سلوكا اجتماعيا صادرا عن إنسان، قبل أن تكون فكرة قانونية. حتى أن بعضهم قال بعدم الحاجة إلى قانون وقاضي يطبق القانون، بل المسألة تحتاج إلى مخابر يتولى فيها العلماء البحث في الجريمة وأسبابها ودوافعها ووضع العلاج المناسب لها.
هذا الاتجاه يصلح كعامل مساعد لرسم السياسة الجنائية، لكنه لا يصلح لبناء قانون خاصة العقوبات التي يجب أن تبني على أفكار قانونية مجردة.

2 - الاتجاه القانوني في تعريف الجريمة :

يركز أصحابه على نصوص القانون الجنائي، في محاولاتهم لتعريف الجريمة باعتبار أن هاته الأخيرة تستمد وجودها القانوني من تلك النصوص، وبالتالي فالجريمة بالنسبة لهذا الاتجاه فكرة قانونية مجردة أكثر من اعتبارها سلوك إنساني أو اجتماعي
غير أن هذا الاتجاه يعرف بدوره انقساما أو اختلافا فقهيا، فالبعض منه يركز على الجانب الشكلي للجريمة والبعض الآخر يركز على الجانب الموضوعي. 

أ- الاتجاه القانوني الشكلي في تعريف الجريمة :
وهو اتجاه يركز على الركن القانوني، أي أن الجريمة بالنسبة له هي ( الفعل أو الامتناع الذي يجرمه القانون ) أو التصرف الموصوف بأنه جريمة بواسطة القانون. .
وبقدر تركيز هذا الاتجاه على الركن القانوني بقدر ما أهمل تماما الشخص الذي ارتكب هاته الجريمة، وطبيعة الفعل المرتكب.

ب - الاتجاه القانوني الموضوعي أو المادي في تعريف الجريمة :
على عكس الاتجاه السابق يركز هذا الاتجاه على جوهر الفعل الذي جرمه القانون، ويعتبره الواقع الضار بمصالح المجتمع الجوهرية التي يقوم عليها أمنه واستقراره، سواء تمثلت في النظام العام أو الآداب العامة أو السكينة العامة.
فالجريمة بالنسبة لهذا الاتجاه تستمد وجودها من وجود المجتمع لا من نص القانون لذلك عرف الجريمة بأنها ( الواقعة الضارة بكيان المجتمع وأمنه ).

والملاحظ أن هذا الاتجاه يهمل الركن القانوني للجريمة كما أهمل الركن المعنوي المتمثل في شخصية مرتكب هذه الواقعة الضارة.
فإذا كان كل اتجاه لوحده عاجز عن إعطاء تعريف يحيط بكل جوانب الجريمة فإن المزج بين الاتجاهين معا يعطيان تعريفا لها : الجريمة هي الواقعة التي ترتكب إضرارا بمصالح المجتمع، ويرتب عليها القانون الجنائي جزاءا جنائيا، مع إضافة الركن المعنوي المتمثل في إتيان هاته الواقعة، من طرف مقترفها عن وعي و إدراك وحرية واختيار.
الجريمة = نص + فعل + فاعل 

الفصل الأول : الأركان العامة للجريمة . 

الفرع الأول : الركن القانوني .

وهو الركن الشرعي أو مبدأ الشرعية الجنائية le principe de la légalité criminelle ويعني وضع أسس تنظيم أو حكم تصرفات الإنسان - کدلیل عمل un guide- يحدد له جوانب الخطأ من الصواب.

ويعد الركن القانوني من أركان وجود الدولة، ووسيلتها في مواجهة العدوان، وهو أول واجب صاحب نشأتها وعنصر من عناصر وجودها. وأسند هذا الواجب إلى سلطات ثلاث، السلطة التشريعية ( مهمتها سن القوانين بالقدر الذي يحفظ وجود الدولة ويضمن استقرارها )، والسلطة القضائية ( مهمتها تطبيق القوانين )، والسلطة التنفيذية ( مهمتها ممارسة السلطات السياسية ) ورغم الجدل الفقهي حول صحة اعتبار الركن القانوني ركن من أركان الجريمة – في حين أنه هو خالقها ومصدر وجودها، ولا يمكن للعقل أن يتصور الخالق عنصرا فيما خلق فإن هذا المبدأ مبدأ ثابت من مبادئ القانون الجنائي ومسلمة من مسلمات الفقه الجنائي المعاصر.
فما هو مضمونه؟ وما هي مزاياه وعيوبه؟ وما هي النتائج المترتبة عنه ؟ 

أولا : مضمون مبدأ الشرعية .

أول ما نشير إليه هنا هو أن هذا المبدأ لم يظهر مع ظهور التجريم والعقاب، ولا مع نشأة القانون الجنائي، بل ظهر بشكل واضح في كتاب " روح القوانين " المونتيسكيوو حديثه عن فصل السلط والشرعية النصية. كما ظهر مع بيكاريا في كتابه " الجرائم والعقوبات " متأثرا جدا بفلسفة روسو وكتابه " العقد الاجتماعي ".

والقانون الجنائي - بمختلف فروعه - يخضع لمبدأ الشرعية، منذ تجريم الواقعة إلى مرحلة وقوعها إلى مرحلة محاكمة الشخص، وحتى توقيع العقوبة وتنفيذها والشرعية بهذا المعنى هي شرعية موضوعية وهي المتعلقة بالتجريم والعقاب، وشرعية إجرائية، وشرعية التنفيذ العقابي.
لم يبدأ توجيه الانتقادات وتبخيس مزایا مبدأ الشرعية خلال القرن التاسع عشر بل بدأ ذلك مع ظهور المدرسة الوضعية الإيطالية والمدرسة اللاحقة لها.

عيوب مبدأ الشرعية حسب معارضي المبدأ : 

1) عدم قدرة مبدأ الشرعية على الإحاطة بكل الأفعال اللا إجتماعية ولا أخلاقية من خلال نصوصه . 

2) عدم أخذه بعين الاعتبار شخصية الجاني، إذ هناك أشخاص يجب الحجز عليهم حتىقبل ارتكابهم للجرائم، وهناك أشخاص لا يمكن الحد من خطورتهم حتى بعد انقضاء العقوبة .

انتقادات عدة كان لها صدى على التشريعات الجنائية النازية، حيث تم استبعاد المبدأ نهائيا حتى سنة 1958 ، كما استبعد جزئيا في التشريع الإيطالي الفاشي.

أقلقت الانتقادات السابقة بشدة مناصري مبدأ الشرعية، ودفعتهم لعقد العديد من المؤتمرات الدولية للدفاع عنها؛ كالمؤتمر الدولي للقانون الجنائي بباريس في 1937، والمؤتمر الدولي للقانون الجنائي في لاهاي في شهر غشت من نفس السنة. حيث كان الرد على مناهضي المبدأ :

إن إلغاء مبدأ الشرعية أو تقييده من شأنه إعادة البشرية إلى عهد استبدادية القضاة، والمراهنة على مصالح فردية متعارضة مع مصالح المجتمع، مثل ما حدث مع الشيوعية والفاشية والأنظمة الديكتاتورية

مبدأ الشرعية لا يهمل شخصية الجاني بدلیل وجود مبدأ تفريد العقوبة المعمول به في جل الأنظمة، ومبدأ تشديد العقوبة أو تخفيفها. 

ثانيا : نتائج مبدأ الشرعية .

لتحميل الموضوع كاملا اضغط هنا

جديد قسم : دروس القانون