-->

التدخل القضائي لاعادة التوازن العقدي

التدخل القضائي لاعادة التوازن العقدي 


المبحث الأول : التدخل القضائي لتعديل العقد. 

إذا كان القانون المدني في توبه التقليدي لا يسعى سوى لتحقيق التوازن القانوني بين أطراف العلاقة التعاقدية، فإن هذا الأمر قد يسبب اختلالا كبيرا على مستوى التوازن الاقتصادي نظرا لاستغلال المتعاقد القوة لمركزه الاقتصادي المتفوق عن طريق فرض شروط تعاقدية مجحفة في حق المتعاقد الآخر الضعيف 10 كما هو الحال في عقود الإذعان ،بل حتى في بعض العقود الرضائية كعقد الاستهلاك مثلا، والذي قد يتضمن بعض الشروط التعسفية أو الشروط الجزائية مع ضرورة التمييز بين كل منهما، مما يجيز التدخل القضائي لإعادة التوازن العقدي والتمرد بالتالي على قدسية العقود أي الحرية التعاقدية.

وعليه سنسلط الضوء على دور القضاء في الحد من الشروط التعسفية في (المطلب الأول)، على أن نخصص (المطلب الثاني) للحديث عن المراجعة القضائية للشرط الجزائي.

المطلب الأول: دور القضاء في الحد من الشروط التعسفية Les clauses Abusives

إذا كان الأصل في جميع المعاملات أنها تتم بحرية تامة بين الأطراف المتعاقدة بشأنها استنادا إلى مبدأ سلطان الإرادة وإلى القوة الملزمة للعقد، فإنه في عصرنا الراهن كثيرا ما نلاحظ اتسام بعض العقود المستحدثة بطابع التعسف سواء أثناء إبرامها أو حتى
تنفيذها.

وعلى الرغم مما أورده المشرع المغربي من مقتضيات حمائية مضمنة في ق.ل.ع إلا أنها ظلت عاجزة عن تحقيق نوع من المساواة العقدية أو ما يعرف بالتوازن العقدي سواء تعلق الأمر بالنظريات التقليدية (مبدأ حسن النية) أو نظرية عيوب الرضا
الغلط، التدليس، الإكراه، الغين) الأمر الذي أعطى بموجبه للقضاء الضوء الأخضر للتدخل في بنود العقد عن طريق إعماله التقنيتي (التفسير و التكييف) بغية تعديل الشروط التعسفية المضمنة فيه بهدف خلق نوع من التوازن العقدي بين الأطراف المتعاقدة.

وللإلمام بالموضوع أكثر سوف نقف عن ماهية الشروط التعسفية في العقود (أولا)، على أن نتعرض لتجليات هذه الشروط في بعض العقود المنصوص عليها في القانون المغربي (ثانيا).

الفقرة الأولى: ماهية الشروط التعسفية في العقود: 

بالنظر للأهمية الكبيرة التي يحتلها مفهوم الشرط التعسفي في العقود لا بد لنا من تحديد مفهومه من خلال وقوفنا على المعايير المعتمدة للقول بوجوده من عدمه (أولا)، فضلا عن أنواع هذه الشروط التعسفية (ثانيا).

أولا-مفهوم الشرط التعسفي وعناصره:| بداية لا بد لنا أن نشير إلى وجود عدة تعريفات فقهية وتشريعية حاولت تحديد المقصود بالشروط التعسفية، وكذا إلى صعوبة وضع تعريف عام وشامل لمفهوم الشرط التعسفي، وذلك راجع من جهة أولى إلى تعدد أنواع العقود التي تظهر فيها مثل هذه الشروط، إذ نجدها في عقود البيع والكراء والتأمين والقرض والنقل وغيرها، ومن جهة أخرى إلى اختلاف محل هذه العقود حسب ما إذا كان عقارا أو منقولا، ومع ذلك يمكن تعريف الشرط التعسفي بأنه "الشرط الذي يؤدي إلى اختلال كبير في حقوق و التزامات المتعاقدين على حساب المستهلكين"، أو الشرط المحرر مسبقا من جانب الطرف الأكثر قوة | ويمنح لهذا الأخير ميزة مفرطة على حساب الطرف الآخر.


وقد حاول المشرع الفرنسي تحديد المقصود بالشروط التعسفية، وذلك بموجب المادة 35 من القانون رقم 23-78 المتعلق بحماية وإعلام مستهلكي السلع والخدمات، بكونها:


" تلك الشروط التي يتبين أنها مفروضة على غير المحترفين أو المستهلكين بواسطة التعسف في استعمال القوة الاقتصادية للطرف الآخر مما يمكن هذا الأخير من الحصول على منافع مفرطة"وعلى غرار المشرع الفرنسي قام المشرع المغربي بدوره بتعريف الشرط التعسفي في الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون رقم 08-1331 المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك على أنه "يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك".


انطلاقا من التعاريف المقدمة أعلاه يلاحظ عدم وجود اتفاق على معايير موحدة للشرط التعسفي، غير أن الرأي الراجح في الفقه الفرنسي والذي يستند إلى المادة 35 من قانون 10 يناير 1978، اعتبر أن هناك عنصريين للحديث عن الشرط التعسفي وهما : تعسف السلطة الاقتصادية والميزة المفرطة واللذان يجب أن يجتمعا نظريا لتكييف الشرط كونه تعسفيا، وفي الواقع فإن السلطة المكلفة بتطبيق القانون دائما ما تستند إلى الامتيازات المفرطة لأن وجودها هو ما يؤدي إلى حدوث تعسف من طرف السلطة الاقتصادية.


النفوذ الاقتصادي : puissance économique : ويقصد به التعسف الاقتصادي الذي يسمح لأحد الأطراف بفرض شروطه على الطرف الآخر فقد يلجا المشترط إلى استخدام وسائل غير أمينة تؤدي إلى استغلال الضعف الاقتصادي للمذعن.

ويسمى هذا العنصر بالشخصي لأنه يتم استشفافه من القوة الاقتصادية للمهني، استنادا إلى حجم المشروع الذي يستغله وكذا الوسائل التي يستخدمها في ممارسة نشاطه، وقدر الاحتكار الذي ينعم به مما جعل الطرف المستهلك في مرتبة أقل منه .

الامتياز المجحف (المفرط)L ' avantage excessif: يقصد بهذا العنصر ذلك الامتياز المالي الذي يتحقق عندما يتعلق الشرط التعسفي بالشخص أو بطبيعة الشيء ذاته، كالشروط التعسفية المتعلقة بالثمن وشروط التقسيط، وكذلك الامتياز في طرق تنفيذ
العقدوعليه فإن الميزة الفاحشة هي عنصر موضوعي يتعلق بالاختلال المبالغ فيه بين حقوق والتزامات الطرفين، أو هي عدم التوازن بين الالتزامات المترتبة على العقد سواء تعلق الأمر بالمبالغة المفرطة في تعدد الالتزامات الملقاة على عاتق المستهلك أو عن طريق التخفيف من التزامات المهني.

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن المتعاقد الذي يفرض شرطا تعسفيا غالبا ما | يكون في موقع قوة سواء تعلق الأمر بالقوة الاقتصادية (كالمشغل الذي يشترط على العامل عدم المنافسة أو عدم الزواج أو الفنية (الحنكة والخبرة) أو القانونية (العلم بالمقتضيات التشريعية).

ثانيا- أنواع الشروط التعسفية: تختلف أنواع الشروط التعسفية من تشريع لآخر، وذلك راجع إلى الاختلاف حول الأسلوب المتبع من طرفه لتحديدها، إذ نجد بعض التشريعات المقارنة قد اتبعت طريقة إصدار لائحة تشمل هذه الشروط20، والبعض الآخر سلك الأسلوب التقديري 21 (القضائي)، بينما ركن البعض الآخر إلى مزج الأسلوبين معا. 

هذا ويعد المشرع المغربي من بين التشريعات التي اهتدت إلى الأخذ بالأسلوب المختلط في تحديد نوعية العقود التي تحتوي على شرط تعسفية، وذلك بمقتضى المادة 2318 من قانون 08-31 المتعلق بتدابير حماية المستهلك، اذ تم وضع لائحة (قائمة)| توضيحية للشروط التي تكتسي صفة التعسف( سبعة عشر نوعا من أنواع الشروطالتعسفية) وهنا يكون المشرع المغربي قد تفادى النقاش الذي أثارته المادة 35 من قانون 10 يناير 1978 الفرنسي الذي أعطى للسلطة التنفيذية بمعية مجلس الدولة الفرنسي وبعد اخذ رأي لجنة الشروط التعسفية صلاحية إصدار لوائح تحرم أو تحدد أو تنظم من خلالها | الشروط التي تعتبر تعسفية .

هذا ونشير إلى أن البعض  قد ذهب إلى تقسيم الشروط التعسفية إلى نوعين من الشروط، شروط تعسفية بذاتها، وشروط تعسفية بحكم الاستعمال، فالشروط التعسفية بذاتها يظهر التعسف فيها منذ إدراجها في مرحلة تكوين العقد وتكشف ألفاظ الشرط عنه حيث تأتي متناقضة مع جوهره، وأما الشرط التعسفي بحكم الاستعمال، فإن صفة التعسف تظهر فيه عند التطبيق بالتمسك بحرفية العقد وعدم مراعاة روح النص.


وحسنا فعل المشرع المغربي بعدم تحديد الشروط التعسفية على سبيل الحصر لأن تحديدها يعتبر مغامرة غير محمودة العواقب على اعتبار أنها تختلف من عقد لآخر ومن حالة لأخرى بالنظر إلى الوضعية القانونية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية للمتعاقدين ولا يمكن بالتالي حصرها مما يفتح المجال أمام السلطة التقديرية للقضاء لتحديد الشروط التي تعتبر تعسفية، وذلك بالرجوع وقت إبرام العقد إلى جميع الظروف المحيطة بإبرامه مع الأخذ بعين الاعتبار الشروط الأخرى الواردة في العقد حسب المادة 16 من القانون المتعلق بتدابير حماية المستهلك.

للاطلاع على الموضوع كاملا و تحميله اضغط هنا

جديد قسم : بحوث جامعية