-->

اتباث المسؤولية الجنائية للاشخاص المعنوية بالوسائل الحديثة

بسم الله الرحمن الرحيم

للاطلاع على البحث و التحميل اضغط هنا



ان أمام الدور المتعاظم الذي أصبحت تضطلع به الأشخاص المعنوية يمكن القول بان هذه الأشخاص المعنوية أصبحت اليوم تمثل حقيقة قانونية، بل وتمثل أيضا حقيقة إجرامية في العصر الحديث. فإنه يجب إقرار المسؤولية الجنائية لهذه الأشخاص، لكي تصبح السياسة الجنائية التي يتبعها المشرع في مكافحة الأجرام أكثر فعالية .

المبحث الأول : تطور فكرة المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي.

ليست فكرة المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي وليدة العصر الحديث، إنما فكرة قديمة يرجعها بعض الشراح إلى القانون الروماني وإلى المذاهب الفكرية في العصر الوسيط وإلى القانون الكنسية اعترف القانون الروماني بالشخصية المعنوية للدولة والمدن والكثير من الجمعيات وكان يسلط العقوبات على التجمعات أو ما يعرف بالأشخاص المعنوية، وبعد انتشار المسيحية ثم الاعتراف بهذه الشخصية للعديد من المؤسسات كالمستشفيات والملاجئ .

كما أقر القانون الفرنسي القديم بهذه المسؤولية من خلال العقوبة التي وقعها برلمان باريس على مدينة تولوز عام 1331، يحرمها من الحق في الوجود ومصادرة دمتها المالية بسبب تنفيذ حكم إعدام على طالب بكلية الحقوق، ضرب قاضيا ولم يقع ارجاء النظر في التنفيذ رغم طعنه في الحكم أو العقوبة المسلطة على جامعة السوربون سنة 1561.

ظهرت وتأكدت إذا فكرة الشخص المعنوي في المجتمع من خلال دوره في الحياة الاجتماعية والاقتصادية فكلما كان ذلك الدور هاما وكبيرا كلما كان نطاق المسؤولية الجنائية هاما وكبيرا فالعلاقة الطردية بين نطاق المسؤولية ونطاق النشاط هي التي تقدم لنا تفسيرا عن تطور مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي بين الماضي والحاضر.

وإذا كان مبدأ مساءلة الشخص المعنوي مدنيا أو إداريا أضحى من الأمور المسلم بها من الناحية الفقهية والقانونية والعملية، فإن تقرير مساءلته جنائيا كان ولازال لحد الآن محل جدل فقهي .

المطلب الأول : الجدل الفقهي حول تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي.
المطلب الثاني : موقف التشريع المغربي والمقارن من مبدأ المسؤولية الجنائية للشخصالمنوي.

المطلب الأول : الجدل الفقهي حول تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي.


التزم المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات المقارنة الصمت حيال مسألة إعطاء تعريف لمصطلح الإسناد الجنائي، ويرجع ذلك إلى صعوبة وضع تعريف جامع وواضح و منضبط له يتماشى والتطورات التي تشهدها المجتمعات المعاصرة، والمتمثلة أساسا في التزايد المضطرب للاشخاص المعنوية، إذ يكاد توزيع العمل ضمن هذه الفئة من الأشخاص يؤدي الى ضياع المسؤوليات وعدم القدرة على إسناد الفعل المجرم إلى مرتكبه، فهذه التجمعات تثير مشكلات حول كيفية إسناد المسؤولية الجنائية.

هذا ولم يجمع الفقهاء على رأي وأحد حول مفهوم المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي فهناك جانب من الفقه انكر بشدة امكانية مساءلة الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم التي ترتكب من طرفه، باعتبار أن المسؤول هو الشخص الطبيعي لأركان الجريمة، وهذا الرأي يمثل اتجاه الفقه التقليدي.

أما الفقه الحديث، فقد أجمع على ضرورة مساءلة الشخص المعنوي جنائيا نظرا لتطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وما صاحبه من تزايد في النشاط التجاري. فبعد أن كان الاقتصاد يقوم على النشاط الفردي للأشخاص الطبيعيين، أصبح يرتكز على تجمع الأفراد والثروات في شكل شركات ومؤسسات، وهذا أدى إلى تعاظم دور الأشخاص المعنوية في مجال الإنتاج والاستهلاك وظهور العديد من الجرائم الاقتصادية التي أضرت بمصالح المجتمع، تفوق في خطورتها تلك الأضرار الناجمة عن جرائم الأشخاص الطبيعية، مما يستوجب ضرورة إقرار هذا النوع من المسؤولية في عالم القانون الجناني.

بناء على ذلك انقسم الفقه الى فريقين فريق أنكر إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ولا يعترف بها (الفقرة الأولى ) وفريق أخر ينادي بجواز مسائلة الشخص المعنوي جنائيا (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : الاتجاه المنكر للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي.

ساد هذا الاتجاه في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ويمثل غالبية الفقه والقضاء. ويرفض هذا الاتجاه أخضاع الشخص المعنوي بصفة مطلقة للمساءلة الجنائية ويلقيها على الشخص الطبيعي الذي يمثله أو العمل لديه على اعتبار أن الجريمة تقترض شخصا له إرادة.

تأكد هذا الموقف في عدة أحكام قضائية لقضاة محكمة النقض الفرنسية، طبقا لقاعدة كان معمولا بها بكثرة أن " الغرامة عقوبة وكل عقوبة شخصية إلا في حالات استثنائية منصوص عليها قانونا، وبالتالي لا يمكن أن تطبق على شخص معنوي، الذي لا يمكن أن يسأل إلا مدنيا " . يؤيد أنصار هذا الاتجاه رأيه بالاستناد الى مجموعة من الحجج تتمثل في...


جديد قسم : بحوث جامعية