-->

دور المساءلة في الحد من الفساد الاداري-pdf


بسم الله الرحمن الرحيم 

المبحث الأول : ماهية الفساد الإداري





للاطلاع و تحميل البحث اضغط هنا

إن ظاهرة الفساد الإداري ظاهرة ممتدة لا تحدها حدود ، ولا تمنعها فواصل، طالت كافة الدول ، ولم تسلم منها أيا من المجتمعات، ولم تفرق في امتدادها وتشعبها بين دول متقدمة وأخرى متخلفة، فلقد ارتبط وجود هذه الظاهرة بتواجد الإنسان أينما كان ، وهي ظاهرة قديمة قدم الوجود البشري على وجه
الأرض.

وقد ازدادت هذه الظاهرة في الدول النامية باعتبارها بيئة خصبة لنموها حيث تنعدم أساليب الحكم الديمقراطي وما تتطلبه من شفافية تكفل ضمان وجود رقابة مستمرة لأداء الأجهزة الإدارية ، بل تسيطر قواعد البيروقراطية على المؤسسات والإدارات الحكومية، كما تنعدم قواعد تناسب بين الدخل الفردي الأفراد المجتمع ومتطلبات الحياة واحتياجاتهم .

كل هذه العوامل وغيرها تغري أفراد المجتمع خاصة موظفي القطاع العام ، وذلك بإتباعهم سبل غير مشروعة للحصول على غاياتهم المادية ، فظاهرة الفساد لا تقتصر في تداعياتها على ما تفرزه من سلبياته على قطاع معين من المجتمع، وإنما تمتد آثارها لتطال كافة أفراد المجتمع وقطاعاته، ذلك أن له تأثير مباشر على اقتصاد الدولة باعتبارها تعرقل عجلة التنمية، إضافة إلى أنه يؤدي لاختلال التركيبة الاجتماعية للمجتمع ، نهيك على تأثيرها على الحياة السياسية حيث تختل قواعد اللعبة السياسية وتبرز أنظمة وهيئات معتمدة على سيطرة رأس مال والرشوة والاختلاس المال العام ؛ لذا سنركز في هذا المبحث على أربعة عناصر : مفهوم و مظاهر الفساد الإداري ( المطلب الأول) وأسباب الفساد الإداري وآثارها على المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والإداري ( المطلب الثاني ) .

المطلب الأول: مفهوم الفساد الإداري ومظاهره


استحوذت ظاهرة الفساد الإداري دول العالم قاطبة ، واهتمت بها المنظمات والهيئات الدولية والحكومية وغير الحكومية ، خصوصا في السنوات الأخيرة ، وأصبحت حديث الساعة على كافة الأجهزة والمستويات.

كما حظيت ظاهرة الفساد الإداري باهتمام الكثير من أساتذة الإدارة، بعد أن كان مجال الاهتمام منصبا على التنمية الإدارية والتطوير الإداري ومن ثم الثورة الإدارية .

وعلى الرغم من الاعتراف بوجود ظاهرة الفساد الإداري إلى أن الاهتمام بمواجهة هذه الظاهرة على نطاق المنظمات العالمية لم تأت إلا متأخرة جدا، وذلك في عام 1975 م بالتوصية التي اتخذتها الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة بإدانة الممارسات الفاسدة وتزايد الاهتمام العالمي بهذه الظاهرة الخطرة ، وبشكل واضح في بداية التسعينات من القرن الماضي.

هذا الاهتمام العالمي بهذه الظاهرة يعني أن المجتمعات كافة تحتوي على قدر معين وبدرجات متفاوتة من الفساد وأنه موجود في جميع دول العالم إذ لا يوجد مجتمع فاضل يخلو من الفساد والمفسدين ، وسنتطرق في هذا المطلب إلى مفهوم الفساد الإداري ( الفرع الأول ) ومظاهر الفساد الإداري ( الفرع الثاني ) .

الفرع الأول : مفهوم الفساد الإداري


إن الحديث عن الفساد الإداري لا يختص بمجتمع بعينه، أو دولة معينة ، وإنما هي ظاهرة عالمية، تشكو منها كل الدول ، لما له من خطر على الأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والأداء الإداري ، ومن هنا حازت هذه الظاهرة على اهتمام كل المجتمعات ، وكل الدول وتعالت النداءات إلى إدانتها والحد من انتشارها ووضع الصيغ الملائمة لذلك .

ويطرح مصطلح الفساد الإداري كظاهرة عالمية أكثر من صعوبة ، وذلك في محاولات جادة لإيجاد تعريف ملائم وجامع له، إذ أن مفهوم الفساد الإداري لا يقف عند تعريف واحد وموحد ، وإنما يتعدد بتعدد المدارس والفقهاء، ويعزى ذلك إلى اختلاف مشارب كل واحد منهم، وبالتالي فمفهوم الفساد الإداري يثير إشكالية تعريفه سواء على المستويين اللغوي والاصطلاحي ، أو من طرف بعض الهيئات والمنظمات الدولية من قبيل البنك العالمي ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية . وسنعمل في هذا الفرع على توضيح معنى الفساد الإداري من الناحية اللغوية (الفقرة الأولى ) ومدلولاته في الشريعة الإسلامية ( الفقرة الثانية ) لنتطرق في الأخير إلى الفساد الإداري في منظور بعض المنظمات والهيئات الدولية في الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى : الفساد الإداري في اللغة


قال ابن منظور في لسان العرب : الفساد نقيض الصلاح ، فسد ويفسد وفسد فسادا فسودا وفسد و تفاسد القوم : تدبروا وقطعوا الأرحام واستفسد السلطان قائده إذا أساء إليه حتى استعصى عليه ، والمفسدة خلاف المصلحة و الإستفساد خلاف الاستصلاح ، وقالوا هذا الأمر مفسدة لكنه أي فيه فساد.

وجاء ذكر الفساد في معجم الوسيط على أنه الخلل والاضطراب 3، وفيما يمثل الفساد جانب الشر يمثل الإصلاح جانب الخير ، كما أنه قد يعني خيانة الأمانة ، والبعد عن الاستقامة أو الفضيلة أو المبادئ الأخلاقية ، والتحريض على الخطأ باستخدام وسائل غير سليمة أو غير قانونية والبعد عما هو أصلي أو نقي وصحيح أو أخد المال ظلما أو التلف والعطب أو الجذب والقحط أو القتل واغتصاب الماله . قال فسد اللحم أو اللبن أي انتن و عطب وفسد العقل وبطل وفسد الرجل جاوز الصواب والحكمة وفسدت الأمور إذا اضطربت وأدركها الخلل.

وقال الراغب الأصفهاني : الفساد من الثلاثي ( ف. س. د. ) وهو أصل يدل على الخروج، فالفساد هو خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج أو كثيرا و يضاده الصلاح ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة.



جديد قسم : القضاء و القانون الاداريين