-->
بسم الله الرحمن الرحيم



تلكم إذن كانت جردة تركيبية شاملة حول المعايير والممارسات الفضلى المتعارف عليها عالميا في مجال الحكامة الديمقراطية الرشيدة والرقابة والمحاسبة والنزاهة (=مكافحة الفساد)، فكيف جاز لنا أن نقول في العنوان أعلاه إن الإطار الدستوري الجديد يكرس هذه المعايير الراقية؟ ذلك ما سنحاول الإجابة عليه في الجزء الثاني من هذه المساهمة المتواضعة.



- المكتسبات الدستورية الجديدة :

يتضمن الدستور الجديد هندسة مؤسسية منسجمة ومتناسقة في تعزيز منظومة وآليات الحكامة الديمقراطية الرشيدة قوامها نظام للرقابة والمحاسبة والنزاهة (= مكافحة الفساد) متكامل وطموح وعصري.


1- الحكامة الديمقراطية :


تتمثل فلسفة الدستور الجديد في إقامة دولة الحكامة الديمقراطية في إطار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وينص الدستور الجديد على الديمقراطية ومبادئ الحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة باعتبارهما من المقومات الخمسة للنظام الدستوري، وينهي الدستور الجديد ما كان يسمى بالدستور الضمني أو غير المكتوب من خلال توضیح صلاحيات الملك وعلى أن هذه الصلاحيات يمارسها الملك كما هي منصوص عليها صراحة في الدستور، ويعيد توزیع سلطاته السابقة نحو تحويل جزء منها إلى الوزير الأول، ولاسيما سلطات هذا الأخير الحصرية في مجال وضع وتنفيذ السياسات العمومية والقطاعية ذات الصلة بالمعيش اليومي للمواطنين، ومع أن الدستور الجديد أبقى سلطة التعيين الملكي بالنسبة لبعض المؤسسات والمقاولات الإستراتيجية فإن هذا التعيين يتم بناء على اقتراح من الوزير الأول (رئيس الحكومة) وبمبادرة من الوزير الوصي على القطاع. وكل ذلك في إطار دسترة مجلس للحكومة، ورئيس للحكومة ذي صلاحيات شبه حصرية على الإدارة العمومية.

وينص الدستور الجديد على مبدأ سمو القانون باعتباره أعلى تعبير عن إرادة | الأمة كما ينص على مبدأ المساواة أمام القاعدة القانونية، ويكرس الدستور الجديد التعددية الحزبية مع الدعوة إلى دمقرطة الشؤون الداخلية للأحزاب، ودور المعارضة البرلمانية المحفوظة المكانة والحقوق، مع تعزيز سلطات وهيبة البرلمان تشريعيا ورقابيا ومعنويا. وفيما يخص الانتخابات يضمن الدستور حريتها ونزاهتها وشفافيتها وطابعها الدوري المنتظم.
وفيما يتعلق بالإعلام يكرس الدستور حرية الصحافة مانعا الرقابة المسبقة عليها مع ضمان تعدديتها من خلال مراقبة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. وفيما يخص مشاركة المواطنين نص على تأسيس هیئات للتشاور تضمن مشاركة الفاعلين الاجتماعيين في إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، وكذا حق المواطنين في تقديم اقتراحات قوانين وعرائض
کا یکرس دور المجتمع المدني من خلال إطلاق حرية تأسيس الجمعيات ورهن عملية حلها بمقرر قضائي وليس بقرار إداري.

ولضمان نفاذ جميع المبادئ والحقوق والحريات الدستورية نص في مقتضی الافت وجديد على جواز الدفع بعدم دستورية القوانين المتعارضة معها أمام المحكمة الدستورية.

2- الحكامة الرشيدة: التدبيرية والتنموية والتشاركية :


تضمن الدستور الجديد بابا خاصا وجدیدا حول الحكامة وعدة فصول متناثرة في الباب الأول وأبواب أخرى تؤسس لمبادئ ومؤسسات الحكامة الرشيدة في أبعادها التدبيرية والتنموية والتشاركية. وهكذا نص الدستور الجديد على مبدإ خضوع الإدارات العمومية ومرافق الدولة والجماعات الترابية في تدبيرها للمبادئ الديمقراطية والعقلانية والأخلاقية ومنها :






جديد قسم : كتب pdf